الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة
.الجمع بين الجلد والرجم: واستدلوا بما رواه عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم» رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي. وعن علي كرم الله وجهه: أنه جلد شراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة. فقال: أجلدها بكتاب الله، وأرجمها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يجتمع الجلد والرجم عليهما وإنما الواجب الرجم خاصة. وعن أحمد، روايتان: إحداهما يجمع بينهما. وهو أظهر الروايتين واختارها الخرقي. والاخرى: لا يجمع بينهما، لمذهب الجمهور - واختارها ابن حامد. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ما عزا والغامدية واليهوديين - ولم يجلد واحدا منهما. وقال لانيس الاسلمي «فإن اعترفت فارجمها»، ولم يأمر بالجلد، وهذا آخر الأمرين، لأن أبا هريرة قد رواه - وهو متأخر في الإسلام - فيكون ناسخا لما سبق من الحدين - الجلد والرجم - ثم رجم الشيخان أبو بكر وعمر في خلافتهما ولم يجمعا بين الجلد والرجم. ويرى الشيخ الدهلوي عدم التعارض، وأنه لا ناسخ ولا منسوخ، وإنما الأمر يفوض إلى الحاكم قال: الظاهر عندي أنه يجوز للامام الحاكم أن يجمع بين الجلد والرجم، ويستحب له أن يقتصر على الرجم، لاقتصار النبي صلى الله عليه وسلم. والحكمة في ذلك، أن الرجم عقوبة تأتي على النفس، فأصل الزجر المطلوب حاصل به، والجلد زيادة عقوبة مرخص في تركها، فهذا هو وجه الاقتصار على الرجم عندي. .شروط الحد: 1- العقل. 2- البلوغ. 3- الاختيار. 3- العلم بالتحريم. فلا حد على صغير ولا على مجنون، ولا مكره: لما روته عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل» رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين وحسنه الترمذي. وأما العلم بالتحريم فلان الحد يتبع اقتراف الحرام، وهو غير مقترف له، وراجع النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا، فقال له: هل تدري ما الزنا؟ وروي أن جارية سوداء رفعت إلى عمر رضي الله عنه وقيل: إنها زنت، فخفقها بالدرة خفقات وقال: أي لكاع زنيت؟ فقالت: من غوش بدرهمين. فقال عمر: ما ترون؟ وعنده علي وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف. فقال علي رضي الله عنه: أرى أن ترجمها. وقال عبد الرحمن: أرى مثل ما رأى أخوك. فقال عثمان: أراها تستسهل بالذي صنعت، لا ترى به بأسا، وإنما حد الله على من علم أمر الله عزوجل. فقال صدقت. .بم يثبت الحد: .ثبوته بالاقرار: فقال مالك، والشافعي، وداود، والطبري، وأبو ثور: يكفي في لزوم الحد اعترافه به مرة واحدة. لما رواه أبو هريرة وزيد بن خالد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها». فاعترفت، فرجمها، ولم يذكر عددا. وعند الأحناف: أنه لابد من أقارير أربعة مرة بعد مرة في مجالس متفرقة. ومذهب أحمد وإسحاق مثل الأحناف، إلا أنهم لا يشترطون المجالس المتفرقة، والمذهب الأول هو الارجح. .الرجوع عن الاقرار يسقط الحد: وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة. انتهى. وأخرج أبو داود والنسائي من حديث جابر نحوه، وزاد «إنه لما وجد مس الحجارة صرخ: يا قومن ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي، وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه قال: فهلا تركتموه وجئتموني به!!؟» من أقر بزنا امرأة فجحدت: إذا أقر الرجل بزنا امرأة معينة، فجحدت فإنه يقام عليه الحد وحده، ولاتحد هي. لما رواه أحمد وأبو داود عن سهل بن سعد: «أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد زنا بامرأة سماها، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها، فسألها فأنكرت، فحده وتركها». وهذا الحد هو حد الزنا الذي أقر به، لاحد قذف المرأة كما ذهب إليه مالك والشافعي. وقال الاوزاعي وأبو حنيفة: يحد للقذف فقط، لأن إنكارها شبهة، واعترض على هذا الرأي بأن إنكارها لا يبطل إقراره. وذهبت الهادوية، ومحمد، ويروى عن الشافعي، أنه يحد للزنا والقذف، لما رواه أبو داود والنسائي عن ابن عباس: «أن رجلا من بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنا بامرأة أربع مرات، فجلده مائة - وكان بكرا - ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب يا رسول الله، فجلده حد الفرية ثمانين». .ثبوته بالشهود: ولهذا شدد الإسلام في إثبات هذه الجريمة حتى يسد السبيل على الذين يتهمون الأبرياء - جزافا أو لأدنى حزازة - بعار الدهر وفضيحة الأبد، فاشترط في الشهادة على الزنا الشروط الآتية: .أولا: أن يكون الشهود أربعة: وهل يحدون إذا شهدوا؟ قال الأحناف، ومالك، والراجح من مذهب الشافعي، وأحمد: نعم لأن عمر حد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة وهم: أبو بكرة ونافع وشبل ابن معبد. وقيل: لا يحدون حد القذف، لأن قصدهم أداء الشهادة لا قذف المشهود عليه. وهو المرجوح عندالشافعية والحنفية ومذهب الظاهرية. .ثانيا: البلوغ: فإن لم يكن بالغا فلا تقبل شهادته، لأنه ليس من الرجال، ولا ممن ترضى شهادته، ولو كانت حاله تمكنه من أداء الشهادة على وجهها، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» لصبي ليس أهلا لأن يتولى حفظ ماله، فلا يتولى الشهادة على غيره، لأن الشهادة من باب الولاية. .ثالثا: العقل: .رابعا: العدالة: .خامسا: الإسلام: .سادسا: المعاينة: فسأله صلوات الله وسلامه عليه باللفظ الصريح لا يكني. قال: نعم. قال: «كما يغيب المرود في المكحلة والرشا في البئر»؟ قال: نعم. وإنما أبيح النظر في هذه الحالة للحاجة إلى الشهادة، كما أبيح للطبيب، والقابلة ونحوهما. .سابعا: التصريح: .ثامنا: اتحاد المجلس: ويرى الشافعية، والظاهرية، والزيدية، عدم اشتراط هذا الشرط. فإن شهدوا مجتمعين أو متفرقين في مجلس واحد أو في مجالس متفرقة، فإن شهادتهم تقبل، لأن الله تعالى ذكر الشهود ولم يذكر المجالس، ولان كل شهادة مقبولة تقبل إن اتفقت، ولو تفرقت في مجالس، كسائر الشهادات. .تاسعا: الذكورة: ويرى ابن حزم أنه يجوز أن يقبل في الزنا شهادة امرأتين مسلمتين عدل مكان كل رجل، فيكون الشهود ثلاثة رجال وامرأتين - أو رجلين وأربع نسوة - أو رجلا واحدا وست نسوة - أو ثمان نسوة لارجال معهم. .عاشرا: عدم التقادم: فإذا شهد الشهود على حادث الزنا بعد أن تقادم فإن شهادتهم لا تقبل عند الأحناف، ويحتجون لهذا بأن الشاهد إذا شهد الحادث مخير بين أداء الشهادة حسبة، وبين التستر على الجاني، فإذا سكت عن الحادث حتى قدم عليه العهد دل بذلك على اختيار جهة الستر، فإذا شهد بعد ذلك فهو دليل على أن الضغينة هي التي حملته على الشهادة. ومثل هذا لاتقبل شهادته، للتهمة والضغينة، كما قال عمر، ولم ينقل أن أحدا أنكر عليه هذا القول، فيكون إجماعا. وهذا ما لم يكن هناك عذر يمنع الشاهد من تأخير الشهادة، فإن كان هناك عذر ظاهر في تأخير الشهادة، كبعد المسافة عن محل التقاضي، وكمرض الشاهد أو نحو ذلك من الموانع، فإن الشهادة تقبل حينئذ ولا تبطل بالتقادم. والأحناف الذين قالوا بهذا الشرط لم يقدروا له أمدا، بل فوضوا الأمر للقاضي يقدره تبعا لظروف كل حالة لتعذر التوقيت، نظرا لاختلاف الاعذار. وبعض الأحناف قدر التقادم بشهر، وبعضهم قدره بستة أشهر. أما جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والظاهرية، والشيعة الزيدية فإن التقادم عندهم لايمنع من قبول الشهادة مهما كانت متأخرة. وللحنابلة رأيان: رأي مثل أبي حنيفة، ورأي مثل الجمهور. هل للقاضي أن يحكم بعلمه؟: يرى الظاهرية أنه فرض على القاضي أن يقضي بعلمه في الدماء، والقصاص والأموال، والفروج، والحدود، سواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم بعلمه، لأنه يقين الحق، ثم بالاقرار، ثم بالبينة، لأن الله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه». فصح أن القاضي عليه أن يقوم بالقسط، وليس من القسط أن يترك الظالم على ظلمه لا يغيره، وصح أن فرضا على القاضي أن يغير كل منكر علمه بيده وأن يعطي كل ذي حق حقه، وإلا فهو ظالم. وأما جمهور الفقهاء فإنهم يرون أنه ليس للقاضي أن يقضي بعلمه. قال أبو بكر رضي الله عنه: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم البينة عندي، ولان القاضي كغيره من الافراد لا يجوز له أن يتكلم بما شهده ما لم تكن لديه البينة الكاملة. ولو رمى القاضي زانيا بما شهده منه، وهو لا يملك على ما يقول البينه الكاملة لكان قاذفا يلزمه حد القذف، وإذا كان قد حرم على القاضي النطق بما يعلم، فأولى أن يحرم عليه العمل به، وأصل هذا الرأي قول الله سبحانه: {فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} هل يثبت الحد بالحبل؟: ذهب الجمهور إلى أن مجرد الحبل لا يثبت به الحد، بل لابد من الاعتراف أو البينة. واستدلوا على هذا بالأحاديث الواردة في درء الحدود بالشبهات. وعن علي رضي الله عنه أنه قال لامرأة حبلى: استكرهت؟ قالت: لا قال: فلعل رجلا أتاك في نومك. قالوا: وروى الاثبات عن عمر أنه قبل قول امرأة ادعت أنها ثقيلة النوم وأن رجلا طرقها ولم تدر من هو بعد. وأما مالك وأصحابه فقالوا: إذا حملت المرأة ولم يعلم لها زوج ولم يعلم أنها أكرهت فإنها تحد: قالوا: فإن ادعت الاكراه فلابد من الاتيان بأمارة تدل على استكراهها، مثل أن تكون بكرا فتأتي وهي تدمي، أو تفضح نفسها بأثر الاستكراه. وكذلك إذا ادعت الزوجية، فإن دعواها لا تقبل إلا أن تقيم على ذلك البينة واستدلوا لمذهبهم بقول عمر: الرجم واجب على كل من زنا من الرجال والنساء إذا كان محصنا: إذا كانت بينة، أو الحمل، أو الاعتراف. وقال علي. يا أيها الناس إن الزنا زنيان: زنا سروزنا علانية. فزنا السر أن يشهد الشهود، فيكون الشهود أول من يرمي. وزنا العلانية أن يظهر الحبل، والاعتراف. قالوا: هذا قول الصحابة، ولم يظهر لهم مخالف في عصرهم، فيكون إجماعا.
|